(عندما تجتمع العصا في حزمة واحدة، يصعب كسرها)
مثل كيني
فإن بلدًا مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بدأ بإعادة بناء نفسه وبناء قدراته الإنتاجية، وبعد سنوات قليلة من إنتهاء الحرب ابتدأ تطبيق مفاهيم إدارية جديدة ضمن إطار نعرفه اليوم بإدارة الجودة الشاملة، وكان بالتالي تأسيس فرق العمل ـ بصورتها الأولية ـ في تلك الحقبة وما تلاها، فاستخدمت في اليابان ما نعرفه اليوم باسم "حلقات الجودة" Quality Circles، وهي فرق عمل متخصصة بموضوع تحسين جودة سلعة معينة، أو حل مشكلة في نوعيتها.
ومن المعروف أن المفاهيم الإدارية التي تلت الحرب العالمية كان لها دور رئيسي في التطور المذهل للصناعة اليابانية، مثل صناعة السيارات في السبعينات والثمانينات التي تفوقت على مثيلاتها في بلاد العالم.
ومنذ ذلك النجاح ازداد الكلام حول أهمية فرق العمل في تطوير الأداء وفي تحسين الجودة، وأصبح استخدام فرق العمل أمرًا شائعًا جدًا في الشركات والمؤسسات، ولم يقتصر استخدام فرق العمل على القطاع الصناعي أو القطاعات الربحية، بل تجاوزتها للقطاعات غير الربحية، مثل المؤسسات الدينية والخيرية، وبالطبع المؤسسات العامة والحكومية، وإن كان استخدام القطاع الحكومي لفرق العمل أقل منه في سائر القطاعات.
ما هي فرق العمل؟
تتعدد التعريفات لفرق العمل، غير أن التعريف الذي أراه سديدًا ويؤدي إلى خدمة المعنى المقصود هو: "مجموعة من الناس مرتبطة بتحقيق هدف معين، تتكامل جهودهم وخبراتهم، ويعملون سويًا، بحيث يكون مجموع أدائهم المشترك أكبر من مجموع جهودهم الفردية في سبيل تحقيق النتيجة المنشودة".
فرق العمل ... لماذا؟
نشأت فرق العمل في المؤسسات؛ نتيجة لضغوط قوية نحو مزيد من الفعالية والكفاءة في الإنتاج، مع الأخذ بعين الإعتبار حاجات المتعاملين مع المؤسسة وطبيعة العاملين فيها وحاجاتهم.
ولعلنا نجمل هذه الأسباب بالأمور التالية:
1. مواجهة الآثار السلبية للتخصص:
فالأداء ضمن فرقة عمل يقلل الرتابة (الروتين)، ويتطلب من العامل أن يعمل على تطوير نفسه ومهاراته، وربما تتغير طريقة تعاطيه مع زملائه بحيث يتعرف إلى وجهات نظر أخرى وتتوسع آفاقه، ويتعلم أن حسن التعامل مع زملائه ضروري للإنجاز، وبالتالي تنغرس في نفسه روح العمل الجماعي، التي يرجى أن يكون لها دور إيجابي في أداء الفريق، وبالتالي أداء المؤسسة.
2. محدوديات الهيكليات الإدارية:
إن الهيكلية الإدارية التقليدية العادية, والتي تُقَسِّم النشاطات الإدارية إلى أقسام لا تستطيع أن تفي بمختلف الحاجات الموجودة في المؤسسة، ولا تستطيع مواجهة مختلف التحديات التي تواجه المؤسسة من داخلها وخارجها.
إن تخصص الوزارات والإدارات والهيئات الحكومية أمر مطلوب ومتوقع، حتى لا تتضارب الصلاحيات والمسؤوليات، ولكن هناك العديد من التحديات والمشاكل التي لا تنتمي إلى إدارة بمفردها، أو إلى هيئة لوحدها بل كثيرًا ما تتقاطع.
فعلى سبيل المثال مشكلة مثل مشكلة البطالة لا تعني مؤسسة بعينها دون غيرها، فتتقاطع فيها وزارات وإدارات معينة بالواقع الإقتصادي، والشئون الإجتماعية، والتربية والتعليم، والتنمية الإدارية وغير ذلك، وهذا المثال بالطبع مثال واسع وشامل، غير أن المرء يستطيع ذكر العديد من التحديات، والتي هي ربما أقل حجمًا، ولكنها تستدعي جهودًا مشتركة من عدد الهيئات والإدارات العامة، وحينذاك يصبح دور فرق العمل وما يمكن أن تقدمه لتحليل المشكلة واقتراح الحلول لها أكثر بروزًا.
أضف إلى ذلك أن فرق العمل تتميز بالمرونة، ولهذا فهي أكثر إستجابة للمتغيرات التي تطرأ في واقع المؤسسة من التشكيلات الإدارية التقليدية التي يغلب عليها الجمود في الكثير من الأحيان.
3. ظروف العمل:
إن بعض الظروف التي تمر بها المؤسسة، أو بعض التحديات تتطلب مهارات مختلفة وخلفيات متنوعة وخبرات متعددة، وفي تلك الحالات تصبح الإستفادة من مواهب العاملين باختلاف مهاراتهم وخبراتهم ضرورية، ولا يمكن أن تتم بفعالية وكفاءة إلا من خلال جمعهم في فريق عمل متكامل بهدف مشترك.
4. مشاركة العاملين وتمكينهم:
لا تقتصر فوائد فرق العمل على المزيد من الفاعلية والكفاءة، بل أن فرق العمل بحد ذاتها هي فرصة لتحفيز العاملين وتمكينهم، وإضفاء جو من الثقة والمشاركة، وهذا بدوره يساهم في رفع مستوى الأداء ويحسن في نوعية وجودة الخدمات التي يقوم العاملون بتأديتها.
إن الإدارة التي تشكل فريق عمل لهدف معين، هي إنما تقول للموظفين والعاملين في ذلك الفريق: "إننا واثقون من قدرتكم ومهاراتكم، كما أننا واثقون من أمانتكم وحسن رعايتكم للمهمة الموكلة"، وفي هذه الرسالة غير المباشرة الكثير من التشجيع والتحفيز لمعظم العاملين.
وهناك ثمة منافع أخرى لتشكيل فرق العمل، منها ما يأتي:
- تحسن في الأداء ناجم عن وجود قاعدة عريضة من المعرفة والخبرات.
- إبداع أفضل ونظرة أكثر شمولية وإزدياد في الفاعلية عند التصدي للمشكلات.
- استعداد ورغبة في الإستجابة للتغيرات والمجازفة.
- مسؤولية مشتركة في إنجاز المهام وإلتزام مشترك بالأهداف.
- تفويض بالمهام أكثر فاعلية وأثرًا.
- بيئة عمل لأعضاء الفريق تتسم بمزيد من التحفيز وخلق الدوافع.
ما هي أنواع فرق العمل؟
يمكننا تصنيف فرق العمل إلى عدة أنواع تبعًا للأسباب الكامنة وراء تشكيلها، أو بالأحرى تبعًا لأهدافها، ويمكننا هنا عرض ثلاثة أنواع من فرق العمل:
1. فرق عمل مخصصة لحل مشاكل معينة Problem Solving Teams:
تتكون فرق العمل هذه من عدة أعضاء بهدف حل مشكلة معينة، وهي بهذا تتقارب من "حلقات الجودة" التي ذكرناها سابقًا، غير أنها تتميز عن "حلقات الجودة" بكون أهدافها لا تقتصر على تحسين الجودة، بل يمكن أن يشكّل الفريق بهدف تحسين العملية الإنتاجية، أو حل مشكلة معينة في التسويق مثلًا، وغير ذلك.
وفرق العمل هذه تصدر تقارير توصية إلى الإدارة وتضمنها توصياتها وملاحظاتها، ولا يُعطى في العادة لهذه الفرق صلاحية إتخاذ القرارات، بل تقتصر صلاحياتها على إصدار التوصيات والنصائح، أو عرض الوقائع.
ونجد فرق العمل هذه في القطاع العام في العديد من البلدان، فعلى سبيل المثال شكّل حاكم ولاية أوكلاهوما الأمريكية في عام 1995 فريق عم لدراسة الأداء الحكومي في تلك الولاية؛ بهدف معرفة وضع الخدمات التي تقوم بها مختلف الدوائر الحكومية، وكيفية تحسينها، وأعطى الفريق فترة زمنية محددة لإصدار توصياته إلى الحاكم.
ومن ثم تم تشكيل فرق عمل فرعية، وأعطت الحاكم توصياتها في نواح عديدة منها:
- شبكة المواصلات.
- التربية والتعليم.
- الصحة والخدمات الإنسانية.
- السلامة العامة.
- المالية العامة.
- إدارة الموارد البشرية.
2. فرق عمل مديرة لنفسها Self-Managing Teams:
بخلاف النوع الأول من فرق العمل التي تصدر توصياتها إلى الإدارة، تقوم فرق العمل هذه بالإدارة الذاتية لمعظم شؤونها، بما فيها التخطيط للعمل، وجدولته الزمنية، وإتخاذ القرارات، والتنفيذ، مما يخفض من الحاجة إلى جهد إشرافي متواصل من قبل الإدارة.
وبالرغم من أن فرق العمل هذه طُبقت بنجاح في العديد من المؤسسات، غير أن الواقع كذلك أنها لم تنجح في مؤسسات أخرى، لا توجد لدينا معلومات كافية لتحديد أسباب النجاح أو الفشل، غير إن ما نستطيع أن نقوله أنه ينبغي الحذر والتحفظ عند تشكيل هذا النوع من فرق العمل؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن تفويض صلاحية إتخاذ القرار في مسألة معينة، يجب أن يتم بعد دراسة متأنية لطبيعة القرارات، التي ينبغي أن تتخذ، ومدى حساسيتها.
3. فرق عمل من أقسام مختلفة Cross-Functional Teams:
تتشكل فرق العمل هذه من أقسام مختلفة وإدارات متنوعة، تجتمع لحل مشكلة معينة، أو تحقيق هدف معين، وتبقى الفائدة الرئيسية لفرق العمل هذه أنها تحتوي على أشخاص متنوعين أصحاب خبرات مختلفة وخلفيات متعددة، مما يطور من جودة القرارات المتخذة.
وإضافة إلى المثال السابق الذي ضربناه عن ولاية أوكلاهوما، قام حاكم تلك الولاية أيضًا بتشكيل فريق عمل أسماه فريق الأداء Performance Team، مكون من خمسين موظفًا يعملون في دوائر مختلفة من دوائر الولاية الحكومية، وعلى إتصال مباشر بالموظفين وبالقضايا الأساسية التي تهم حكومة الولاية، ويهدف هذا الفريق إلى تحسين الأداء الحكومي وتوفير المال، وهما هدفان قد يبدوان متعارضين في الظاهر، ولكن الحقيقة ليست بالضرروة كذلك.
ما هي مراحل تطور فريق العمل؟
يتشكل فريق العمل عادة من أعضاء قد لا يعرفون بعضهم بعضًا، وبالتالي فإن فريق العمل يتكون من أناس مختلفين، وربما من دوائر وأقسام وهيئات مختلفة، وبالتالي قد يحتاج أعضاء الفريق إلى بعض الوقت (القليل أو الكثير حسب الظروف) للبدء بالمهمة الموكلة إليهم، وتشير العديد من الدراسات التي تابعت تطور الكثير من فرق العمل أنها تمر عادة ـ وليس بالضرورة دائمًا ـ بعدة مراحل هي كالتالي:
1. مرحلة التشكيل: Forming
تتميز المرحلة الأولى بالكثير من الغموض حول تشكيلة الفريق، ومن هم أعضاءه، وتتم في هذه المرحلة المحاولات الأولى لاختيار الأعضاء لبعضهم البعض ومحاولة التعرف عن كثب على بعضهم البعض، وتعتبر هذه المرحلة بمثابة مرحلة جس النبض والتعرف إلى تشكيلة الفريق والتعرف إلى الهدف من تكوين الفريق، وغاية الإدارة من وراء جمع هؤلاء الناس في فريق واحد.
2. مرحلة النزاع: Storming
تتميز هذه المرحلة بمحاولة فرض أعراف معينة للفريق وطريقة عمله، وفي هذه المرحلة يحاول أعضاء الفريق أو بعضهم إثبات نفسهم، وربما حاول بعضهم فرض أعراف معينة.
وقد يختلف الأعضاء حول تلك الأعراف والقوانين كما قد يتنازعون حول قيادة الفريق في حال لم تقم الإدارة بتعيين القائد، أو بتحديد القواعد والنظم والأعراف التي على أساسها يجتمع الفريق.
يجدر بالذكر هنا أن الإدارة قد تختار في ظروف معينة أن تفوضّ مهمة القائد، أو تحديد النظم إلى أعضاء الفريق نفسه، كما قد تختار في أحيان أخرى تحديد ذلك بنفسها منذ البداية، ولكل وجهة نظر إيجابياتها وسلبياتها.
3. مرحلة الإستقرار: Norming
بعد إنتهاء النزاع، أو معظمه تبدأ فترة الإستقرار؛ حيث يتم الإتفاق على الأعراف والقوانين المتعلقة بالفريق (الإجتماعات – طريقة أخذ القرارات – الجدولة الزمنية- وغير ذلك)، وفي فرق العمل الناضجة يكون هذا الاختيار نتيجة لمرحلة من تبادل الأفكار وتلاحقها، وبالتالي قد يُختار القائد الأمثل للفريق.
وأحيانًا أخرى يتم فرض الأعراف والقيادة عبر الأشخاص الأكثر نفوذًا في الفريق، ولهذا الأمر محاذيره.
4. مرحلة الأداء: Performing
وهي المرحلة الأهم؛ إذ أنها تعني حسن إنجاز المهمة الموكلة على عاتق الفريق، فبعد الإستقرار يتفرغ أعضاء الفريق للمهمة الموكلة لهم، ويتم تبادل الأفكار والخبرات حول السبيل الأمثل للإنجاز، وفي هذه المرحلة تبدأ نتائج عمل الفريق بالظهور، من ناحية سرد الوقائع المكتشفة، أو إتخاذ القرارات، أو التوصيات، أو التقارير إلى ما هناك من أمور.
5. مرحلة تفكك الفريق: Adjourning
وفي حالة فرق العمل المؤقتة، التي تنتهي بإنتهاء المهمة الموكلة إليها، يتم تفكيك الفريق، ولا نعني هنا فقط التفكيك المادي، ولكن التفكيك العاطفي والنفسي، إذ أن البعض قد يكون مسرورًا بإنجاز المهمة، بينما يكون البعض الآخر قريبًا من الإحباط لإحساسه بقرب "فقدان الصحبة" التي تمت خلال فترة عمل الفريق.
وكما لا يخفى فإن هذه المرحلة الخامسة تقتصر على الفرق المرتبطة بهدف معين، ولفترة زمنية محددة، أما الفرق التي تكون طبيعة أعمالها مستمرة فهي فرق دائمة نسبيًا، ويقتصر التغيير فيها على دخول عضو جديد، أو انسحاب عضوًا، أو زيادة مهام، أو صلاحيات، وغير ذلك.
ماذا تعني هذه المراحل بالنسبة للإدارة؟
(كلما عملت، واجتهدت، وطورت أكثر من مقدرتك على المشاركة في حياة الآخرين وإسعادهم، كلما تحسنت حياتك في كل النواحي)
بريان تراسي
إن من أهم الأمور المتعلقة ببناء فرق العمل وإدارتها، يكمن في فهم الإدارة لدورها، وفهم القائد لدوره في حسن أداء ذلك الفريق، ولا توجد سلوكيات محددة سلفًا للتعاطي مع فرق العمل؛ لأن اختلاف فرق العمل وظروفها وطبيعة أعضائها، تحتم اختلافًا في السلوكيات الإدارية والقيادية المثلى.
إن الفهم الصحيح لمراحل تطور الفريق التي عرضناها أنفًا تفيد قائد فريق العمل في طريقة إدارته للفريق، فلا يخفى أن المراحل الخمسة تلك تمثل مستويات "نضج" معينة للفريق.
وما نعنيه "بنضج الفريق" هو: إلى أي درجة تمكن فريق العمل من تجاوز الحواجز النفسية والشخصية والتنظيمية نحو البدء بمرحلة الأداء الفعلي والإنجاز؟
إن تصرف الإدارة وتصرف قائد الفريق يكون تبعًا لتطور نضج الفريق، فلا يُعقل مثلًا أن تكون قيادة فريق متجانس ومتفاهم ويعرف بعضه بعضًا، مثل قيادة فريق غير متآلف وغير منسجم ولا توجد لديه رؤية مشتركة، ولا تعريف موحد لواجباته وأهدافه.
وفيما يلي بعض السلوكيات القيادية المطلوبة في مستويات النضوج المختلفة:
1. عند تشكيل الفريق:
لأن أعضاء الفريق في هذه الفترة في أمس الحاجة للمعلومات، فيحتاجون بالتالي في هذه المرحلة إلى فهم لطبيعة المهمة، وتوضيح سبب تشكيل فريق العمل، كما يحتاج الأعضاء إلى التعرف على بعضهم البعض ومعرفة لماذا تم تجميعهم بهذا الشكل، إن السلوك القيادي المطلوب هنا هو سلوك إرشادي وتوجيهي يزود أعضاء الفريق بكافة المعلومات الضرورية لإبتداء عمله.
ويهدف القائد في هذه المرحلة إلى نشر الوعي حول المهمة وأهميتها، ودور أعضاء الفريق في الإنجاز الصحيح، وكيف يخدم هذا الإنجاز المؤسسة وأهدافها ورؤيتها.
2. عند مرحلة النزاع:
ليس كل نزاع رديء، وليس كل صراع سلبي، فينبغي على القائد في هذه المرحلة أن لا يعمل على كبت النزاع؛ لأن كبته دون حل أسبابه يكون بمثابة تغطيته وستره لفترة محدودة دون حله من جذوره.
ففي هذه المرحلة يستخدم القائد النزاع الموجود لشحذ الأفكار واستخراج الآراء، والبحث عن قوانين وأعراف خاصة بالفريق تناسبه دون تعارض مع قوانين المؤسسة.
كما يحرص القائد في هذه المرحلة على أن يمنع النزاعات من أن تتحول إلى نزاعات شخصية، بل يجب أن تتم الإستفادة من الصراع الموجود لبناء الأفكار وتنقيتها، كما يسعى لحل المشاكل، والتعاطف مع الأعضاء؛ لأن هذه مرحلة طبيعية في العديد من فرق العمل، غير أنه لابد من تجاوزها إلى مرحلة أرقى وأنضج.
3. مرحلة الإستقرار:
في هذه المرحلة يبدأ القائد بالتخفيف من تدخله بعمل الفريق، ويسعى إلى أن يطور الفريق نفسه ليصبح لاحقًا مستقلًا في عمله، وهذا لا يحدث إلا بعد أن يطمئن القائد إلى أن الأعضاء قد اتفقوا على معظم قواعد عملهم، وإن النزاعات الموجودة هي نزاعات هادفة ترمي إلى تطوير الأفكار وشحذها، وليس إلى النزاعات الشخصية أو النفسية.
كما يتفق الأعضاء في هذه المرحلة على القيادة، وعلى نظم وقوانين الإجتماعات، وعلى طرق إتخاذ القرارات، كما يتفقون على تحديد لأدوارهم المختلفة المكملة لبعضها البعض.
4. مرحلة الأداء:
وهذه مرحلة متطورة يتضاءل فيها دور القائد؛ يحيث يُفوّض الكثير من الأمور إلى الفريق نفسه الذي يعمل بشبه استقلالية، ويعتمد على أفكار أعضائه ويتعلم من أخطائه، وهنا يتغير دور القائد من كونه منظمًا ومتدخلًا، إلى كونه مرشدًا استشاريًا.
والآن ... ماذا بعد الكلام؟
فيما يلي بعض الأمور الأساسية، التي ينبغي الإشارة لها في موضوع إدارة فريق العمل:
1. ما هو الحجم المناسب لفريق العمل؟
لا توجد قاعدة تحدد بصورة قاطعة عدد أعضاء فريق العمل الفعال، غير أنه من المعروف أنه كلما زاد عدد الأعضاء، زادت الفرصة للإستفادة بخلفيات وخبرات وثقافات متنوعة (والعكس صحيح)، غير أنه كذلك كلما ازداد عدد الأعضاء، أصبح من الصعب إدارة فريق العمل بطريقة فعالة (والعكس صحيح).
ففريق العمل الصغير جدًا قد تكون سلبياته أكثر من منافعه؛ حيث لا توجد الفرصة من الإستفادة من خبرات وتجارب ومهارات وعلوم لأشخاص متنوعين، وكذلك فإن فريق العمل الكبير جدًا قد يعاني من مشاكل في ضبط الأداء والمواعيد والإجتماعات، وقد تتعطل وسائل إتخاذ قرار فريق العمل.
إن تجربة العديد من المؤسسات توحي بأن العدد المثالي يتراوح بين 7 أعضاء و 12 عضوًا مع استنثاءات كثيرة.
2. ماذا عن المهارات المطلوبة؟
من المفيد أن يتكون فريق العمل من أشخاص مؤهلين مختلفين في خلفيتهم الثقافية والمهنية، وأصحاب اختصاصات شتى، أو ينتمون إلى دوائر مختلفة، إذ لا معنى لتشكيل فريق عمل على هامش الهيكلية الإدارية الموجودة أصلًا إذا كانوا كلهم أو غالبيتهم ينتمون إلى نفس القسم وبنفس الأفكار ويملكون نفس الخبرات والمهارات.
إن تجربة فرق العمل تقوم على مبدأ الإستفادة من تميز الآخرين عن بعضهم البعض، وبالتالي تلائم الأفكار وتكامل الأعضاء فيما بينهم.
3. ماذا عن درجة الإنسجام المطلوبة؟
إن إنسجام أعضاء الفريق أمر مطلوب بشكل عام، غير أن الإنسجام الكامل والفوري لأعضاء الفريق قد يكون مؤشرًا على عدم وجود خلفيات متعددة تسمح بأن يكون القرار الصادر قرارًا بمستوى عال من الجودة، وهذا ما يؤدي إلى ما يسمى "بالفكر الجماعي السلبي" Group think وهي ظاهرة تطلق على فرق العمل والمجموعات، التي تفكر بطريقة واحدة وباتجاه واحد، وبالتالي تصبح عرضة لتكبد الأخطاء؛ لأنها لا تملك وسائل تحليل، ولا تتميز بوجهات نظر مختلفة ومتنوعة، مما يجعلها أقل حساسية للمتغيرات والمتبدلات.
ولعل أبرز مثال يضرب على هذه الظاهرة، هي الحادثة المعروفة في الحياة السياسية الأمريكية في أوائل الستينات، عندما تطور النزاع في عهد جون كينيدي بين الولايات المتحدة وكوبا، فلقد أُتخذ قرار معين أدى إلى حادثة عُرفت لاحقًا باسم حادثة "خليج الخنازير"، فتبين لبعض الباحثين الذين درسوا طريقة إتخاذ القرار في فريق عمل الرئيس كينيدي كانت تعاني من ظاهرة التفكير الجماعي "غير المحمود"؛ مما أدى إلى قرار خاطيء كاد يؤدي إلى حرب غير معروفة العواقب.
4. كيف نستطيع إذًا حل النزاعات؟
تكمن أول خطوة في حل النزاعات في الإعتراف بوجوده (وأحيانًا بضرورة وجوده)، فإن عدم الإعتراف يؤجل الصراع ولا يلغيه، ودور القائد هنا هو في البحث عن الأسباب الحقيقية للنزاع، هل هي أسباب متعلقة بجوهر المهمة الموكلة، أم أنها ترجع لأسباب شخصية ونفسية؟
إن الكثير من النزاعات التي تحدث في المؤسسات، لا تتعلق إلا بشكل هامشي بجوهر القضايا أو المهام، بل تتعلق أكثر بإنعدام التآلف النفسي وأسبابا أخرى شخصية.
وفي حال الصراع ينبغي أن يستمع القائد إلى كل الأطراف، وينبغي على أعضاء الفريق أن يسمحوا لبعضهم البعض بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم، فقد يختلف الناس في تعريف المشكلة، وقد يتفقون في ذلك، ولكن قد تكون لديهم وجهات نظر مختلفة، وربما تتوافق وجهات نظرهم، لكن قد يختلفون في تحديد الحلول المناسبة لتلك المشاكل.
فمن الضروري عند حل النزاعات، التي تنشأ بين أعضاء فريق العمل، أن يعمل القائد على التوصل إلى حل جماعي، ليس بالضرورة إجماعًا، ولكن بالضرورة يأتي بعد الاستماع لكل وجهات النظر، وتحليلها وإعطائها القدر المناسب من الأهمية.
يبقى أن نشير إلى أنه في فرق العمل الشديدة الإنسجام، قد يحرص القائد بنفسه على إثارة الصراع عبر إستثارة أعضاء فريق العمل بأفكار جريئة ـ وربما غير ملائمة ـ، ولكنها تبعث الحياة في الأفكار، وتحفز الأعضاء نحو مزيد من الإبتكار والتجديد.
5. ما هو دور قيادة فريق العمل في إحداث التغيير؟
لا يمتلك بعض القادة الإداريين المقدرة على إحداث التغيير المطلوب في مجموعات العمل، فهناك مهارات خاصة مطلوبة منها: الإستعداد للمشاركة، إعطاء المعلومات اللازمة، الثقة بالآخرين، الإستعداد للتخلي عن بعض الصلاحيات، ومعرفة كيفية ومدى وتوقيت التدخل، كما تشمل مهمات قادة فرق العمل الأمور التالية:
- العمل كحلقة وصل مع الآخرين.
- التدريب والتوجيه عند الحاجة.
- المساعدة في حل بعض معوقات المهمة.
- حل المشاكل بين أفراد الفريق.
6. ما هي مواصفات الأعضاء الملائمين للضم إلى فرق العمل؟
بالإضافة إلى المؤهلات التقنية والعلمية، والمهارات الشخصية، توجد العديد من الخصائص التي ينبغي توافرها (أو ينبغي تطويرها) في أعضاء فريق العمل، وتشمل:
1. روح العمل الجماعي.
2. الحرص على الأهداف العليا للمؤسسة، وليس على الأهداف الشخصية.
3. روح المبادرة.
4. مهارات الإتصال وأهمها المقدرة على الإستماع والفهم والتواصل مع الآخرين.
5. المقدرة على التحليل.
6. المرونة والإنفتاح.
مثل كيني
فإن بلدًا مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بدأ بإعادة بناء نفسه وبناء قدراته الإنتاجية، وبعد سنوات قليلة من إنتهاء الحرب ابتدأ تطبيق مفاهيم إدارية جديدة ضمن إطار نعرفه اليوم بإدارة الجودة الشاملة، وكان بالتالي تأسيس فرق العمل ـ بصورتها الأولية ـ في تلك الحقبة وما تلاها، فاستخدمت في اليابان ما نعرفه اليوم باسم "حلقات الجودة" Quality Circles، وهي فرق عمل متخصصة بموضوع تحسين جودة سلعة معينة، أو حل مشكلة في نوعيتها.
ومن المعروف أن المفاهيم الإدارية التي تلت الحرب العالمية كان لها دور رئيسي في التطور المذهل للصناعة اليابانية، مثل صناعة السيارات في السبعينات والثمانينات التي تفوقت على مثيلاتها في بلاد العالم.
ومنذ ذلك النجاح ازداد الكلام حول أهمية فرق العمل في تطوير الأداء وفي تحسين الجودة، وأصبح استخدام فرق العمل أمرًا شائعًا جدًا في الشركات والمؤسسات، ولم يقتصر استخدام فرق العمل على القطاع الصناعي أو القطاعات الربحية، بل تجاوزتها للقطاعات غير الربحية، مثل المؤسسات الدينية والخيرية، وبالطبع المؤسسات العامة والحكومية، وإن كان استخدام القطاع الحكومي لفرق العمل أقل منه في سائر القطاعات.
ما هي فرق العمل؟
تتعدد التعريفات لفرق العمل، غير أن التعريف الذي أراه سديدًا ويؤدي إلى خدمة المعنى المقصود هو: "مجموعة من الناس مرتبطة بتحقيق هدف معين، تتكامل جهودهم وخبراتهم، ويعملون سويًا، بحيث يكون مجموع أدائهم المشترك أكبر من مجموع جهودهم الفردية في سبيل تحقيق النتيجة المنشودة".
فرق العمل ... لماذا؟
نشأت فرق العمل في المؤسسات؛ نتيجة لضغوط قوية نحو مزيد من الفعالية والكفاءة في الإنتاج، مع الأخذ بعين الإعتبار حاجات المتعاملين مع المؤسسة وطبيعة العاملين فيها وحاجاتهم.
ولعلنا نجمل هذه الأسباب بالأمور التالية:
1. مواجهة الآثار السلبية للتخصص:
فالأداء ضمن فرقة عمل يقلل الرتابة (الروتين)، ويتطلب من العامل أن يعمل على تطوير نفسه ومهاراته، وربما تتغير طريقة تعاطيه مع زملائه بحيث يتعرف إلى وجهات نظر أخرى وتتوسع آفاقه، ويتعلم أن حسن التعامل مع زملائه ضروري للإنجاز، وبالتالي تنغرس في نفسه روح العمل الجماعي، التي يرجى أن يكون لها دور إيجابي في أداء الفريق، وبالتالي أداء المؤسسة.
2. محدوديات الهيكليات الإدارية:
إن الهيكلية الإدارية التقليدية العادية, والتي تُقَسِّم النشاطات الإدارية إلى أقسام لا تستطيع أن تفي بمختلف الحاجات الموجودة في المؤسسة، ولا تستطيع مواجهة مختلف التحديات التي تواجه المؤسسة من داخلها وخارجها.
إن تخصص الوزارات والإدارات والهيئات الحكومية أمر مطلوب ومتوقع، حتى لا تتضارب الصلاحيات والمسؤوليات، ولكن هناك العديد من التحديات والمشاكل التي لا تنتمي إلى إدارة بمفردها، أو إلى هيئة لوحدها بل كثيرًا ما تتقاطع.
فعلى سبيل المثال مشكلة مثل مشكلة البطالة لا تعني مؤسسة بعينها دون غيرها، فتتقاطع فيها وزارات وإدارات معينة بالواقع الإقتصادي، والشئون الإجتماعية، والتربية والتعليم، والتنمية الإدارية وغير ذلك، وهذا المثال بالطبع مثال واسع وشامل، غير أن المرء يستطيع ذكر العديد من التحديات، والتي هي ربما أقل حجمًا، ولكنها تستدعي جهودًا مشتركة من عدد الهيئات والإدارات العامة، وحينذاك يصبح دور فرق العمل وما يمكن أن تقدمه لتحليل المشكلة واقتراح الحلول لها أكثر بروزًا.
أضف إلى ذلك أن فرق العمل تتميز بالمرونة، ولهذا فهي أكثر إستجابة للمتغيرات التي تطرأ في واقع المؤسسة من التشكيلات الإدارية التقليدية التي يغلب عليها الجمود في الكثير من الأحيان.
3. ظروف العمل:
إن بعض الظروف التي تمر بها المؤسسة، أو بعض التحديات تتطلب مهارات مختلفة وخلفيات متنوعة وخبرات متعددة، وفي تلك الحالات تصبح الإستفادة من مواهب العاملين باختلاف مهاراتهم وخبراتهم ضرورية، ولا يمكن أن تتم بفعالية وكفاءة إلا من خلال جمعهم في فريق عمل متكامل بهدف مشترك.
4. مشاركة العاملين وتمكينهم:
لا تقتصر فوائد فرق العمل على المزيد من الفاعلية والكفاءة، بل أن فرق العمل بحد ذاتها هي فرصة لتحفيز العاملين وتمكينهم، وإضفاء جو من الثقة والمشاركة، وهذا بدوره يساهم في رفع مستوى الأداء ويحسن في نوعية وجودة الخدمات التي يقوم العاملون بتأديتها.
إن الإدارة التي تشكل فريق عمل لهدف معين، هي إنما تقول للموظفين والعاملين في ذلك الفريق: "إننا واثقون من قدرتكم ومهاراتكم، كما أننا واثقون من أمانتكم وحسن رعايتكم للمهمة الموكلة"، وفي هذه الرسالة غير المباشرة الكثير من التشجيع والتحفيز لمعظم العاملين.
وهناك ثمة منافع أخرى لتشكيل فرق العمل، منها ما يأتي:
- تحسن في الأداء ناجم عن وجود قاعدة عريضة من المعرفة والخبرات.
- إبداع أفضل ونظرة أكثر شمولية وإزدياد في الفاعلية عند التصدي للمشكلات.
- استعداد ورغبة في الإستجابة للتغيرات والمجازفة.
- مسؤولية مشتركة في إنجاز المهام وإلتزام مشترك بالأهداف.
- تفويض بالمهام أكثر فاعلية وأثرًا.
- بيئة عمل لأعضاء الفريق تتسم بمزيد من التحفيز وخلق الدوافع.
ما هي أنواع فرق العمل؟
يمكننا تصنيف فرق العمل إلى عدة أنواع تبعًا للأسباب الكامنة وراء تشكيلها، أو بالأحرى تبعًا لأهدافها، ويمكننا هنا عرض ثلاثة أنواع من فرق العمل:
1. فرق عمل مخصصة لحل مشاكل معينة Problem Solving Teams:
تتكون فرق العمل هذه من عدة أعضاء بهدف حل مشكلة معينة، وهي بهذا تتقارب من "حلقات الجودة" التي ذكرناها سابقًا، غير أنها تتميز عن "حلقات الجودة" بكون أهدافها لا تقتصر على تحسين الجودة، بل يمكن أن يشكّل الفريق بهدف تحسين العملية الإنتاجية، أو حل مشكلة معينة في التسويق مثلًا، وغير ذلك.
وفرق العمل هذه تصدر تقارير توصية إلى الإدارة وتضمنها توصياتها وملاحظاتها، ولا يُعطى في العادة لهذه الفرق صلاحية إتخاذ القرارات، بل تقتصر صلاحياتها على إصدار التوصيات والنصائح، أو عرض الوقائع.
ونجد فرق العمل هذه في القطاع العام في العديد من البلدان، فعلى سبيل المثال شكّل حاكم ولاية أوكلاهوما الأمريكية في عام 1995 فريق عم لدراسة الأداء الحكومي في تلك الولاية؛ بهدف معرفة وضع الخدمات التي تقوم بها مختلف الدوائر الحكومية، وكيفية تحسينها، وأعطى الفريق فترة زمنية محددة لإصدار توصياته إلى الحاكم.
ومن ثم تم تشكيل فرق عمل فرعية، وأعطت الحاكم توصياتها في نواح عديدة منها:
- شبكة المواصلات.
- التربية والتعليم.
- الصحة والخدمات الإنسانية.
- السلامة العامة.
- المالية العامة.
- إدارة الموارد البشرية.
2. فرق عمل مديرة لنفسها Self-Managing Teams:
بخلاف النوع الأول من فرق العمل التي تصدر توصياتها إلى الإدارة، تقوم فرق العمل هذه بالإدارة الذاتية لمعظم شؤونها، بما فيها التخطيط للعمل، وجدولته الزمنية، وإتخاذ القرارات، والتنفيذ، مما يخفض من الحاجة إلى جهد إشرافي متواصل من قبل الإدارة.
وبالرغم من أن فرق العمل هذه طُبقت بنجاح في العديد من المؤسسات، غير أن الواقع كذلك أنها لم تنجح في مؤسسات أخرى، لا توجد لدينا معلومات كافية لتحديد أسباب النجاح أو الفشل، غير إن ما نستطيع أن نقوله أنه ينبغي الحذر والتحفظ عند تشكيل هذا النوع من فرق العمل؛ والسبب في ذلك يعود إلى أن تفويض صلاحية إتخاذ القرار في مسألة معينة، يجب أن يتم بعد دراسة متأنية لطبيعة القرارات، التي ينبغي أن تتخذ، ومدى حساسيتها.
3. فرق عمل من أقسام مختلفة Cross-Functional Teams:
تتشكل فرق العمل هذه من أقسام مختلفة وإدارات متنوعة، تجتمع لحل مشكلة معينة، أو تحقيق هدف معين، وتبقى الفائدة الرئيسية لفرق العمل هذه أنها تحتوي على أشخاص متنوعين أصحاب خبرات مختلفة وخلفيات متعددة، مما يطور من جودة القرارات المتخذة.
وإضافة إلى المثال السابق الذي ضربناه عن ولاية أوكلاهوما، قام حاكم تلك الولاية أيضًا بتشكيل فريق عمل أسماه فريق الأداء Performance Team، مكون من خمسين موظفًا يعملون في دوائر مختلفة من دوائر الولاية الحكومية، وعلى إتصال مباشر بالموظفين وبالقضايا الأساسية التي تهم حكومة الولاية، ويهدف هذا الفريق إلى تحسين الأداء الحكومي وتوفير المال، وهما هدفان قد يبدوان متعارضين في الظاهر، ولكن الحقيقة ليست بالضرروة كذلك.
ما هي مراحل تطور فريق العمل؟
يتشكل فريق العمل عادة من أعضاء قد لا يعرفون بعضهم بعضًا، وبالتالي فإن فريق العمل يتكون من أناس مختلفين، وربما من دوائر وأقسام وهيئات مختلفة، وبالتالي قد يحتاج أعضاء الفريق إلى بعض الوقت (القليل أو الكثير حسب الظروف) للبدء بالمهمة الموكلة إليهم، وتشير العديد من الدراسات التي تابعت تطور الكثير من فرق العمل أنها تمر عادة ـ وليس بالضرورة دائمًا ـ بعدة مراحل هي كالتالي:
1. مرحلة التشكيل: Forming
تتميز المرحلة الأولى بالكثير من الغموض حول تشكيلة الفريق، ومن هم أعضاءه، وتتم في هذه المرحلة المحاولات الأولى لاختيار الأعضاء لبعضهم البعض ومحاولة التعرف عن كثب على بعضهم البعض، وتعتبر هذه المرحلة بمثابة مرحلة جس النبض والتعرف إلى تشكيلة الفريق والتعرف إلى الهدف من تكوين الفريق، وغاية الإدارة من وراء جمع هؤلاء الناس في فريق واحد.
2. مرحلة النزاع: Storming
تتميز هذه المرحلة بمحاولة فرض أعراف معينة للفريق وطريقة عمله، وفي هذه المرحلة يحاول أعضاء الفريق أو بعضهم إثبات نفسهم، وربما حاول بعضهم فرض أعراف معينة.
وقد يختلف الأعضاء حول تلك الأعراف والقوانين كما قد يتنازعون حول قيادة الفريق في حال لم تقم الإدارة بتعيين القائد، أو بتحديد القواعد والنظم والأعراف التي على أساسها يجتمع الفريق.
يجدر بالذكر هنا أن الإدارة قد تختار في ظروف معينة أن تفوضّ مهمة القائد، أو تحديد النظم إلى أعضاء الفريق نفسه، كما قد تختار في أحيان أخرى تحديد ذلك بنفسها منذ البداية، ولكل وجهة نظر إيجابياتها وسلبياتها.
3. مرحلة الإستقرار: Norming
بعد إنتهاء النزاع، أو معظمه تبدأ فترة الإستقرار؛ حيث يتم الإتفاق على الأعراف والقوانين المتعلقة بالفريق (الإجتماعات – طريقة أخذ القرارات – الجدولة الزمنية- وغير ذلك)، وفي فرق العمل الناضجة يكون هذا الاختيار نتيجة لمرحلة من تبادل الأفكار وتلاحقها، وبالتالي قد يُختار القائد الأمثل للفريق.
وأحيانًا أخرى يتم فرض الأعراف والقيادة عبر الأشخاص الأكثر نفوذًا في الفريق، ولهذا الأمر محاذيره.
4. مرحلة الأداء: Performing
وهي المرحلة الأهم؛ إذ أنها تعني حسن إنجاز المهمة الموكلة على عاتق الفريق، فبعد الإستقرار يتفرغ أعضاء الفريق للمهمة الموكلة لهم، ويتم تبادل الأفكار والخبرات حول السبيل الأمثل للإنجاز، وفي هذه المرحلة تبدأ نتائج عمل الفريق بالظهور، من ناحية سرد الوقائع المكتشفة، أو إتخاذ القرارات، أو التوصيات، أو التقارير إلى ما هناك من أمور.
5. مرحلة تفكك الفريق: Adjourning
وفي حالة فرق العمل المؤقتة، التي تنتهي بإنتهاء المهمة الموكلة إليها، يتم تفكيك الفريق، ولا نعني هنا فقط التفكيك المادي، ولكن التفكيك العاطفي والنفسي، إذ أن البعض قد يكون مسرورًا بإنجاز المهمة، بينما يكون البعض الآخر قريبًا من الإحباط لإحساسه بقرب "فقدان الصحبة" التي تمت خلال فترة عمل الفريق.
وكما لا يخفى فإن هذه المرحلة الخامسة تقتصر على الفرق المرتبطة بهدف معين، ولفترة زمنية محددة، أما الفرق التي تكون طبيعة أعمالها مستمرة فهي فرق دائمة نسبيًا، ويقتصر التغيير فيها على دخول عضو جديد، أو انسحاب عضوًا، أو زيادة مهام، أو صلاحيات، وغير ذلك.
ماذا تعني هذه المراحل بالنسبة للإدارة؟
(كلما عملت، واجتهدت، وطورت أكثر من مقدرتك على المشاركة في حياة الآخرين وإسعادهم، كلما تحسنت حياتك في كل النواحي)
بريان تراسي
إن من أهم الأمور المتعلقة ببناء فرق العمل وإدارتها، يكمن في فهم الإدارة لدورها، وفهم القائد لدوره في حسن أداء ذلك الفريق، ولا توجد سلوكيات محددة سلفًا للتعاطي مع فرق العمل؛ لأن اختلاف فرق العمل وظروفها وطبيعة أعضائها، تحتم اختلافًا في السلوكيات الإدارية والقيادية المثلى.
إن الفهم الصحيح لمراحل تطور الفريق التي عرضناها أنفًا تفيد قائد فريق العمل في طريقة إدارته للفريق، فلا يخفى أن المراحل الخمسة تلك تمثل مستويات "نضج" معينة للفريق.
وما نعنيه "بنضج الفريق" هو: إلى أي درجة تمكن فريق العمل من تجاوز الحواجز النفسية والشخصية والتنظيمية نحو البدء بمرحلة الأداء الفعلي والإنجاز؟
إن تصرف الإدارة وتصرف قائد الفريق يكون تبعًا لتطور نضج الفريق، فلا يُعقل مثلًا أن تكون قيادة فريق متجانس ومتفاهم ويعرف بعضه بعضًا، مثل قيادة فريق غير متآلف وغير منسجم ولا توجد لديه رؤية مشتركة، ولا تعريف موحد لواجباته وأهدافه.
وفيما يلي بعض السلوكيات القيادية المطلوبة في مستويات النضوج المختلفة:
1. عند تشكيل الفريق:
لأن أعضاء الفريق في هذه الفترة في أمس الحاجة للمعلومات، فيحتاجون بالتالي في هذه المرحلة إلى فهم لطبيعة المهمة، وتوضيح سبب تشكيل فريق العمل، كما يحتاج الأعضاء إلى التعرف على بعضهم البعض ومعرفة لماذا تم تجميعهم بهذا الشكل، إن السلوك القيادي المطلوب هنا هو سلوك إرشادي وتوجيهي يزود أعضاء الفريق بكافة المعلومات الضرورية لإبتداء عمله.
ويهدف القائد في هذه المرحلة إلى نشر الوعي حول المهمة وأهميتها، ودور أعضاء الفريق في الإنجاز الصحيح، وكيف يخدم هذا الإنجاز المؤسسة وأهدافها ورؤيتها.
2. عند مرحلة النزاع:
ليس كل نزاع رديء، وليس كل صراع سلبي، فينبغي على القائد في هذه المرحلة أن لا يعمل على كبت النزاع؛ لأن كبته دون حل أسبابه يكون بمثابة تغطيته وستره لفترة محدودة دون حله من جذوره.
ففي هذه المرحلة يستخدم القائد النزاع الموجود لشحذ الأفكار واستخراج الآراء، والبحث عن قوانين وأعراف خاصة بالفريق تناسبه دون تعارض مع قوانين المؤسسة.
كما يحرص القائد في هذه المرحلة على أن يمنع النزاعات من أن تتحول إلى نزاعات شخصية، بل يجب أن تتم الإستفادة من الصراع الموجود لبناء الأفكار وتنقيتها، كما يسعى لحل المشاكل، والتعاطف مع الأعضاء؛ لأن هذه مرحلة طبيعية في العديد من فرق العمل، غير أنه لابد من تجاوزها إلى مرحلة أرقى وأنضج.
3. مرحلة الإستقرار:
في هذه المرحلة يبدأ القائد بالتخفيف من تدخله بعمل الفريق، ويسعى إلى أن يطور الفريق نفسه ليصبح لاحقًا مستقلًا في عمله، وهذا لا يحدث إلا بعد أن يطمئن القائد إلى أن الأعضاء قد اتفقوا على معظم قواعد عملهم، وإن النزاعات الموجودة هي نزاعات هادفة ترمي إلى تطوير الأفكار وشحذها، وليس إلى النزاعات الشخصية أو النفسية.
كما يتفق الأعضاء في هذه المرحلة على القيادة، وعلى نظم وقوانين الإجتماعات، وعلى طرق إتخاذ القرارات، كما يتفقون على تحديد لأدوارهم المختلفة المكملة لبعضها البعض.
4. مرحلة الأداء:
وهذه مرحلة متطورة يتضاءل فيها دور القائد؛ يحيث يُفوّض الكثير من الأمور إلى الفريق نفسه الذي يعمل بشبه استقلالية، ويعتمد على أفكار أعضائه ويتعلم من أخطائه، وهنا يتغير دور القائد من كونه منظمًا ومتدخلًا، إلى كونه مرشدًا استشاريًا.
والآن ... ماذا بعد الكلام؟
فيما يلي بعض الأمور الأساسية، التي ينبغي الإشارة لها في موضوع إدارة فريق العمل:
1. ما هو الحجم المناسب لفريق العمل؟
لا توجد قاعدة تحدد بصورة قاطعة عدد أعضاء فريق العمل الفعال، غير أنه من المعروف أنه كلما زاد عدد الأعضاء، زادت الفرصة للإستفادة بخلفيات وخبرات وثقافات متنوعة (والعكس صحيح)، غير أنه كذلك كلما ازداد عدد الأعضاء، أصبح من الصعب إدارة فريق العمل بطريقة فعالة (والعكس صحيح).
ففريق العمل الصغير جدًا قد تكون سلبياته أكثر من منافعه؛ حيث لا توجد الفرصة من الإستفادة من خبرات وتجارب ومهارات وعلوم لأشخاص متنوعين، وكذلك فإن فريق العمل الكبير جدًا قد يعاني من مشاكل في ضبط الأداء والمواعيد والإجتماعات، وقد تتعطل وسائل إتخاذ قرار فريق العمل.
إن تجربة العديد من المؤسسات توحي بأن العدد المثالي يتراوح بين 7 أعضاء و 12 عضوًا مع استنثاءات كثيرة.
2. ماذا عن المهارات المطلوبة؟
من المفيد أن يتكون فريق العمل من أشخاص مؤهلين مختلفين في خلفيتهم الثقافية والمهنية، وأصحاب اختصاصات شتى، أو ينتمون إلى دوائر مختلفة، إذ لا معنى لتشكيل فريق عمل على هامش الهيكلية الإدارية الموجودة أصلًا إذا كانوا كلهم أو غالبيتهم ينتمون إلى نفس القسم وبنفس الأفكار ويملكون نفس الخبرات والمهارات.
إن تجربة فرق العمل تقوم على مبدأ الإستفادة من تميز الآخرين عن بعضهم البعض، وبالتالي تلائم الأفكار وتكامل الأعضاء فيما بينهم.
3. ماذا عن درجة الإنسجام المطلوبة؟
إن إنسجام أعضاء الفريق أمر مطلوب بشكل عام، غير أن الإنسجام الكامل والفوري لأعضاء الفريق قد يكون مؤشرًا على عدم وجود خلفيات متعددة تسمح بأن يكون القرار الصادر قرارًا بمستوى عال من الجودة، وهذا ما يؤدي إلى ما يسمى "بالفكر الجماعي السلبي" Group think وهي ظاهرة تطلق على فرق العمل والمجموعات، التي تفكر بطريقة واحدة وباتجاه واحد، وبالتالي تصبح عرضة لتكبد الأخطاء؛ لأنها لا تملك وسائل تحليل، ولا تتميز بوجهات نظر مختلفة ومتنوعة، مما يجعلها أقل حساسية للمتغيرات والمتبدلات.
ولعل أبرز مثال يضرب على هذه الظاهرة، هي الحادثة المعروفة في الحياة السياسية الأمريكية في أوائل الستينات، عندما تطور النزاع في عهد جون كينيدي بين الولايات المتحدة وكوبا، فلقد أُتخذ قرار معين أدى إلى حادثة عُرفت لاحقًا باسم حادثة "خليج الخنازير"، فتبين لبعض الباحثين الذين درسوا طريقة إتخاذ القرار في فريق عمل الرئيس كينيدي كانت تعاني من ظاهرة التفكير الجماعي "غير المحمود"؛ مما أدى إلى قرار خاطيء كاد يؤدي إلى حرب غير معروفة العواقب.
4. كيف نستطيع إذًا حل النزاعات؟
تكمن أول خطوة في حل النزاعات في الإعتراف بوجوده (وأحيانًا بضرورة وجوده)، فإن عدم الإعتراف يؤجل الصراع ولا يلغيه، ودور القائد هنا هو في البحث عن الأسباب الحقيقية للنزاع، هل هي أسباب متعلقة بجوهر المهمة الموكلة، أم أنها ترجع لأسباب شخصية ونفسية؟
إن الكثير من النزاعات التي تحدث في المؤسسات، لا تتعلق إلا بشكل هامشي بجوهر القضايا أو المهام، بل تتعلق أكثر بإنعدام التآلف النفسي وأسبابا أخرى شخصية.
وفي حال الصراع ينبغي أن يستمع القائد إلى كل الأطراف، وينبغي على أعضاء الفريق أن يسمحوا لبعضهم البعض بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم، فقد يختلف الناس في تعريف المشكلة، وقد يتفقون في ذلك، ولكن قد تكون لديهم وجهات نظر مختلفة، وربما تتوافق وجهات نظرهم، لكن قد يختلفون في تحديد الحلول المناسبة لتلك المشاكل.
فمن الضروري عند حل النزاعات، التي تنشأ بين أعضاء فريق العمل، أن يعمل القائد على التوصل إلى حل جماعي، ليس بالضرورة إجماعًا، ولكن بالضرورة يأتي بعد الاستماع لكل وجهات النظر، وتحليلها وإعطائها القدر المناسب من الأهمية.
يبقى أن نشير إلى أنه في فرق العمل الشديدة الإنسجام، قد يحرص القائد بنفسه على إثارة الصراع عبر إستثارة أعضاء فريق العمل بأفكار جريئة ـ وربما غير ملائمة ـ، ولكنها تبعث الحياة في الأفكار، وتحفز الأعضاء نحو مزيد من الإبتكار والتجديد.
5. ما هو دور قيادة فريق العمل في إحداث التغيير؟
لا يمتلك بعض القادة الإداريين المقدرة على إحداث التغيير المطلوب في مجموعات العمل، فهناك مهارات خاصة مطلوبة منها: الإستعداد للمشاركة، إعطاء المعلومات اللازمة، الثقة بالآخرين، الإستعداد للتخلي عن بعض الصلاحيات، ومعرفة كيفية ومدى وتوقيت التدخل، كما تشمل مهمات قادة فرق العمل الأمور التالية:
- العمل كحلقة وصل مع الآخرين.
- التدريب والتوجيه عند الحاجة.
- المساعدة في حل بعض معوقات المهمة.
- حل المشاكل بين أفراد الفريق.
6. ما هي مواصفات الأعضاء الملائمين للضم إلى فرق العمل؟
بالإضافة إلى المؤهلات التقنية والعلمية، والمهارات الشخصية، توجد العديد من الخصائص التي ينبغي توافرها (أو ينبغي تطويرها) في أعضاء فريق العمل، وتشمل:
1. روح العمل الجماعي.
2. الحرص على الأهداف العليا للمؤسسة، وليس على الأهداف الشخصية.
3. روح المبادرة.
4. مهارات الإتصال وأهمها المقدرة على الإستماع والفهم والتواصل مع الآخرين.
5. المقدرة على التحليل.
6. المرونة والإنفتاح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق